الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ مُلْتَحِفًا بِهِ وَرِدَاؤُهُ مَوْضُوعٌ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُصَلِّي وَرِدَاؤُكَ مَوْضُوعٌ قَالَ نَعَمْ أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِي الْجُهَّالُ مِثْلُكُمْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي هَكَذَا الشرح: تقدم الكلام على حديث جابر في " باب عقد الإزار على القفا " وقوله هنا (ملتحفا به) كذا للأكثر بالنصب على الحال، وللمستملي والحموي " ملتحف " بالرفع على الحذف، وفي نسختي عنهما بالجر على المجاورة، وقوله في آخره " يصلي كذا " في رواية الكشميهني " يصلي هكذا " وقوله: (الجهال مثلكم) لفظ المثل مفرد لكنه اسم جنس فلذلك طابق لفظ الجهال وهو جمع، أو اكتسب الجمعية من الإضافة. *3* قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَرْهَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَخِذُ عَوْرَةٌ وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ حَسَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَخِذِهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى يُخْرَجَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَقَالَ أَبُو مُوسَى غَطَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي الشرح: قوله: (باب ما يذكر في الفخذ) أي في حكم الفخذ، وللكشميهني " من الفخذ". قوله: (قال أبو عبد الله) هو المصنف، وسقط من رواية الأكثر. قوله: (ويروى عن ابن عباس) وصله الترمذي، وفي إسناده أبو يحيى القتات بقاف ومثناتين وهو ضعيف مشهور بكنيته، واختلف في اسمه على ستة أقوال أو سبعة أشهرها دينار. قوله: (وجرهد) بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء، وحديثه موصول عند مالك في الموطأ والترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وضعفه المصنف في التاريخ للاضطراب في إسناده، وقد ذكرت كثيرا من طرقه في تعليق التعليق. قوله: (ومحمد بن جحش) هو محمد بن عبد الله بن جحش، نسب إلى جده، له ولأبيه عبد الله صحبة، وزينب بنت جحش أم المؤمنين هي عمته، وكان محمد صغيرا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد حفظ عنه، وذلك بين في حديثه هذا، فقد وصله أحمد والمصنف في التاريخ والحاكم في المستدرك كلهم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي كثير مولى محمد بن جحش عنه وقال " مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه على معمر وفخذاه مكشوفتان، فقال: يا معمر غط عليك فخذيك، فإن الفخذين عورة " رجاله رجال الصحيح، غير أبي كثير فقد روى عنه جماعة لكن لم أجد فيه تصريحا بتعديل، ومعمر المشار إليه هو معمر بن عبد الله بن نضلة القرشي العدوي، وقد أخرج ابن قانع هذا الحديث من طريقه أيضا، ووقع لي حديث محمد بن جحش مسلسلا بالمحمديين من ابتدائه إلى انتهائه، وقد أمليته في " الأربعين المتباينة"، قوله: (وقال أنس: حسر) بمهملات مفتوحات، أي كشف. وقد وصل المصنف حديث أنس في الباب كما سيأتي قريبا. قوله: (وحديث أنس أسند) أي أصح إسنادا، كأنه يقول حديث جرهد ولو قلنا بصحته فهو مرجوح بالنسبة إلى حديث أنس. قوله: (وحديث جرهد) أي وما معه (أحوط) أي للدين، وهو يحتمل أن يريد بالاحتياط الوجوب أو الورع وهو أظهر ل قوله: (حتى يخرج من اختلافهم) و " يخرج " في روايتنا مضبوطة بفتح النون وضم الراء وفي غيرها بضم الياء وفتح الراء. قوله: (وقال أبو موسى) أي الأشعري والمذكور هنا من حديثه طرف من قصة أوردها المصنف في المناقب من رواية عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عنه فذكر الحديث، وفيه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان غطاها " وعرف بهذا الرد على الداودي الشارح حيث زعم أن هذه الرواية المعلقة عن أبي موسى وهم، وأنه دخل حديث في حديث، وأشار إلى ما رواه مسلم من حديث عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه " الحديث. وفيه " فلما استأذن عثمان جلس " وهو عند أحمد بلفظ " كاشفا عن فخذه " من غير تردد، وله من حديث حفصة مثله، وأخرجه الطحاوي والبيهقي من طريق ابن جريج قال أخبرني أبو خالد عن عبد الله بن سعيد المدني حدثتني حفصة بنت عمر قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي يوما وقد وضع ثوبه بين فخذيه فدخل أبو بكر " الحديث. وقد بان بما قدمناه أنه لم يدخل على البخاري حديث في حديث بل هما قصتان متغايرتان في إحداهما كشف الركبة وفي الأخرى كشف الفخذ، والأولى من رواية أبي موسى وهي المعلقة هنا والأخرى من رواية عائشة ووافقتها حفصة ولم يذكرهما البخاري. قوله: (وقال زيد بن ثابت) هو أيضا طرف من حديث موصول عند المصنف في تفسير سورة النساء في نزول قوله تعالى انتهى. والظاهر أن المصنف تمسك بالأصل والله أعلم. قوله: (أن ترض) أي تكسر، وهو بفتح أوله وضم الراء ويجوز عكسه. الحديث: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ قَالَهَا ثَلَاثًا قَالَ وَخَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْخَمِيسُ يَعْنِي الْجَيْشَ قَالَ فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً فَجُمِعَ السَّبْيُ فَجَاءَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ قَالَ اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ قَالَ ادْعُوهُ بِهَا فَجَاءَ بِهَا فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خُذْ جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ غَيْرَهَا قَالَ فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدَقَهَا قَالَ نَفْسَهَا أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا فَقَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ وَبَسَطَ نِطَعًا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ قَالَ فَحَاسُوا حَيْسًا فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) هو الدورقي. قوله: (فصلينا عندها) أي خارجا منها. قوله: (صلاة الغداة) فيه جواز إطلاق ذلك على صلاة الصبح، خلافا لمن كرهه. قوله: (وأنا رديف أبي طلحة) فيه جواز الإرداف، ومحله ما إذا كان الدابة مطيقة. قوله: (فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي مركوبه. قوله: (وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر) وفي رواية الكشميهني " لأنظر " (إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم) . هكذا وقع في رواية البخاري " ثم أنه حسر " والصواب أنه عنده بفتح المهملتين، ويدل على ذلك تعليقه الماضي في أوائل الباب حيث قال " وقال أنس: حسر النبي صلى الله عليه وسلم " وضبطه بعضهم بضم أوله وكسر ثانيه على البناء للمفعول بدليل رواية مسلم " فانحسر " وليس ذلك بمستقيم، إذ لا يلزم من وقوعه كذلك في رواية مسلم أن لا يقع عند البخاري على خلافه، ويكفي في كونه عند البخاري بفتحتين ما تقدم من التعليق. وقد وافق مسلما على روايته بلفظ " فانحسر " أحمد بن حنبل عن ابن علية، وكذا رواه الطبراني عن يعقوب شيخ البخاري، ورواه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن يعقوب المذكور ولفظه " فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر إذ خر الإزار". قال الإسماعيلي: هكذا وقع عندي خر بالخاء المعجمة والراء، فإن كان محفوظا فليس فيه دليل على ما ترجم به، وإن كانت روايته هي المحفوظة فهي دالة على أن الفخذ ليست بعورة. انتهى. وهذا مصير منه إلى أن رواية البخاري بفتحتين كما قدمناه، أي كشف الإزار عن فخذه عند سوق مركوبه ليتمكن من ذلك. قال القرطبي: حديث أنس وما معه إنما ورد في قضايا معينة في أوقات مخصوصة يتطرق إليها من احتمال الخصوصية أو البقاء على أصل الإباحة ما لا يتطرق إلى حديث جرهد وما معه، لأنه يتضمن إعطاء حكم كلي وإظهار شرع عام، فكان العمل به أولى. ولعل هذا هو مراد المصنف بقوله " وحديث جرهد أحوط". قال النووي: ذهب أكثر العلماء إلى أن الفخذ عورة، وعن أحمد ومالك في رواية: العورة القبل والدبر فقط، وبه قال أهل الظاهر وابن جرير والإصطخري. قلت: في ثبوت ذلك عن ابن جرير نظر، فقد ذكر المسألة في تهذيبه ورد على من زعم أن الفخذ ليست بعورة، ومما احتجوا به قول أنس في هذا الحديث " وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم " إذ ظاهره أن المس كان بدون الحائل، ومس العورة بدون حائل لا يجوز. وعلى رواية مسلم ومن تابعه في أن الإزار لم ينكشف بقصد منه صلى الله عليه وسلم يمكن الاستدلال على أن الفخذ ليست بعورة من جهة استمراره على ذلك، لأنه وإن جاز وقوعه من غير قصد لكن لو كانت عورة لم يقر على ذلك لمكان عصمته صلى الله عليه وسلم، ولو فرض أن ذلك وقع لبيان التشريع لغير المختار لكان ممكنا، لكن فيه نظر من جهة أنه كان يتعين حينئذ البيان عقبه كما في قضية السهو في الصلاة، وسياقه عند أبي عوانة والجوزقي من طريق عبد الوارث عن عبد العزيز ظاهر في استمرار ذلك، ولفظه " فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأرى بياض فخذيه". قوله: (فلما دخل القرية قال: الله أكبر، خربت خيبر) قيل مناسبة ذلك القول أنهم استقبلوا الناس بمساحيهم ومكاتلهم، وهي من آلات الهدم. قوله: (قال عبد العزيز) هو الراوي عن أنس (وقال بعض أصحابنا) أي أنه لم يسمع من أنس هذه اللفظة، بل سمع منه (فقالوا محمد) وسمع من بعض أصحابه عنه (والخميس) ووقع في رواية أبي عوانة والجوزقي المذكورة " فقالوا محمد والخميس " من غير تفصيل، فدلت رواية ابن علية هذه على أن في رواية عبد الوارث إدراجا، وكذا وقع لحماد بن زيد عن عبد العزيز وثابت كما سيأتي في آخر صلاة الخوف. وبعض أصحاب عبد العزيز يحتمل أن يكون محمد بن سيرين فقد أخرجه البخاري من طريقه، أو ثابتا البناني فقد أخرجه مسلم من طريقه. قوله: (يعني الجيش) تفسير من عبد العزيز أو ممن دونه، وأدرجها عبد الوارث في روايته أيضا، وسمي خميسا لأنه خمسة أقسام: مقدمة، وساقة، وقلب، وجناحان. وقيل من تخميس الغنيمة، وتعقبه الأزهري بأن التخميس إنما ثبت بالشرع وقد كان أهل الجاهلية يسمون الجيش خميسا فبان أن القول الأول أولى. قوله: (عنوة) بفتح المهملة، أي قهرا. قوله: (أعطني جارية) يحتمل أن يكون إذنه له في أخذ الجارية على سبيل التنفيل له إما من أصل الغنيمة أو من خمس الخمس بعد أن ميز، أو قبل على أن تحسب منه إذا ميز، أو أذن له في أخذها لتقوم عليه بعد ذلك وتحسب من سهمه. قوله: (فأخذ) أي فذهب فأخذ قوله: (فجاء رجل) لم أقف على اسمه. قوله: (خذ جارية من السبي غيرها) كر الشافعي في " الأم " عن " سير الواقدي " أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه أخت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق. انتهى. وكان كنانة زوج صفية، فكأنه صلى الله عليه وسلم طيب خاطره لما استرجع منه صفية بأن أعطاه أخت زوجها، واسترجاع النبي صلى الله عليه وسلم صفية منه محمول على أنه إنما أذن له في أخذ جارية من حشو السبي لا في أخذ أفضلهن، فجاز استرجاعها منه لئلا يتميز بها على باقي الجيش مع أن فيهم من هو أفضل منه. ووقع في رواية لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى صفية منه بسبعة أرؤس، وإطلاق الشراء على ذلك على سبيل المجاز، وليس في قوله " سبعة أرؤس " ما ينافي قوله هنا " خذ جارية " إذ ليس هنا دلالة على نفي الزيادة. وسنذكر بقية هذا الحديث في غزوة خيبر من كتاب المغازي، والكلام على قوله " أعتقها وتزوجها " في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. قوله: (فقال له) أي لأنس، وثابت هو البناني، وأبو حمزة كنية أنس، وأم سليم والدة أنس. قوله: (فأهدتها) أي زفتها. قوله: (وأحسبه) أي أنسا (قد ذكر السويق) ، وجزم عبد الوارث في روايته بذكر السويق فيه. قوله: (فحاسوا) بمهملتين أي خلطوا، والحيس بفتح أوله خليط السمن والتمر والأقط، قال الشاعر: التمر والسمن جميعا والأقط الحيس إلا أنه لم يختلط وقد يختلط مع هذه الثلاثة غيرها كالسويق، وسيأتي بقية فوائد ذلك في كتاب الوليمة إن شاء الله تعالى. *3* وَقَالَ عِكْرِمَةُ لَوْ وَارَتْ جَسَدَهَا فِي ثَوْبٍ لَأَجَزْتُهُ الشرح: قوله: (باب) بالتنوين (في كم) بحذف المميز أي كم ثوبا (تصلي المرأة) من الثياب، قال ابن المنذر بعد أن حكى عن الجمهور أن الواجب على المرأة أن تصلي في درع وخمار: المراد بذلك تغطية بدنها ورأسها، فلو كان الثوب واسعا فغطت رأسها بفضله جاز. قال: وما رويناه عن عطاء أنه قال " تصلي في درع وخمار وإزار " وعن ابن سيرين مثله وزاد " وملحفة " فإني أظنه محمولا على الاستحباب. قوله: (وقال عكرمة) يعني مولى ابن عباس. قوله (جاز) وفي رواية الكشميهني " لأجزته " بفتح الجيم وسكون الزاي، وأثره هذا وصله عبد الرزاق ولفظه " لو أخذت المرأة ثوبا فتقنعت به حتى لا يرى من شعرها شيء أجزأ عنها". الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْفَجْرَ فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ فِي مُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَرْجِعْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ الشرح: قوله: (أن عائشة قالت: لقد) اللام في لقد جواب قسم محذوف. قوله: (متلفعات) قال الأصمعي: التلفع أن تشتمل بالثوب حتى تجلل به جسدك، وفي شرح الموطأ لابن حبيب: التلفع لا يكون إلا بتغطية الرأس، والتلفف يكون بتغطية الرأس وكشفه، و (المروط) جمع مرط بكسر أوله، كساء من خز أو صوف أو غيره. وعن النضر بن شميل ما يقتضى أنه خاص بلبس النساء. وقد اعترض على استدلال المصنف به على جواز صلاة المرأة في الثوب الواحد بأن الالتفاع المذكور يحتمل أن يكون فوق ثياب أخرى. والجواب عنه أنه تمسك بأن الأصل عدم الزيادة على ما ذكر، على أنه لم يصرح بشيء إلا أن اختياره يؤخذ في العادة من الآثار التي يودعها في الترجمة. قوله: (ما يعرفهن أحد) زاد في المواقيت " من الغلس " وهو يعين أحد الاحتمالين: هل عدم المعرفة بهن لبقاء الظلمة أو لمبالغتهن في التغطية؟ وسيأتي الكلام على بقية مباحثه في المواقيت إن شاء الله تعالى. *3* الشرح: قوله: (باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها) قال الكرماني: في رواية " ونظر إلى علمه " والتأنيث في علمها باعتبار الخميصة. الحديث: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي الشرح: قوله: (خميصة) بفتح المعجمة وكسر الميم وبالصاد المهملة، كساء مربع له علمان، والأنبجانية بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتخفيف الجيم وبعد النون ياء النسبة: كساء غليظ لا علم له. وقال ثعلب: يجوز فتح همزته وكسرها، وكذا الموحدة، يقال كبش أنبجاني إذا كان ملتفا، كثير الصوف. وكساء أنبجاني كذلك، وأنكر أبو موسى المديني على من زعم أنه منسوب إلى منبج البلد المعروف بالشام. قال صاحب الصحاح: إذا نسبت إلى منبج فتحت الباء فقلت: كساء منبجاني أخرجوه مخرج منظراني. وفي الجمهرة: منبج موضع أعجمي تكلمت به العرب ونسبوا إليه الثياب المنبجانية. وقال أبو حاتم السجستاني: لا يقال كساء أنبجاني وإنما يقال منبجاني، قال: وهذا مما تخطئ فيه العامة. وتعقبه أبو موسى كما تقدم فقال: الصواب أن هذه النسبة إلى موضع يقال له أنبجان، والله أعلم. قوله: (إلى أبي جهم) هو عبيد الله - ويقال عامر - بن حذيفة القرشي العدوي صحابي مشهور، وإنما خصه صلى الله عليه وسلم بإرسال الخميصة لأنه كان أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم كما رواه مالك في الموطأ من طريق أخرى عن عائشة قالت " أهدى أبو جهم بن حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها علم فشهد فيها الصلاة، فلما انصرف قال: ردى هذه الخميصة إلى أبي جهم " ووقع عند الزبير بن بكار ما يخالف ذلك، فأخرج من وجه مرسل " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بخميصتين سوداوين فلبس إحداهما وبعث الأخرى إلى أبي جهم " ولأبي داود من طريق أخرى " وأخذ كرديا لأبي جهم، فقيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخميصة كانت خيرا من الكردي". قال ابن بطال: إنما طلب منه ثوبا غيرها ليعلمه أنه لم يرد عليه هديته استخفافا به، قال: وفيه أن الواهب إذا ردت عليه عطيته من غير أن يكون هو الراجع فيها فله أن يقبلها من غير كراهة. قلت: وهذا مبني على أنها واحدة، ورواية الزبير والتي بعدها تصرح بالتعدد. قوله: (ألهتني) أي شغلتني، يقال لهي بالكسر إذا غفل، ولها بالفتح إذا لعب. قوله: (آنفا) أي قريبا، وهو مأخوذ من ائتناف الشيء أي ابتدائه. قوله: (عن صلاتي) أي عن كمال الحضور فيها، كذا قيل، والطريق الآتية المعلقة تدل على أنه لم يقع له شيء من ذلك وإنما خشي أن يقع لقوله " فأخاف". وكذا في رواية مالك " فكاد " فلتؤول الرواية الأولى. قال ابن دقيق العيد: فيه مبادرة الرسول إلى مصالح الصلاة، ونفى ما لعله يخدش فيها. وأما بعثه بالخميصة إلى أبي جهم فلا يلزم منه أن يستعملها في الصلاة. ومثله قوله في حلة عطارد حيث بعث بها إلى عمر " إني لم أبعث بها إليك لتلبسها " ويحتمل أن يكون ذلك من جنس قوله " كل فإني أناجي من لا تناجي " ويستنبط منه كراهية كل ما يشغل عن الصلاة من الأصباغ والنقوش ونحوها. وفيه قبول الهدية من الأصحاب والإرسال إليهم والطلب منهم. واستدل به الباجي على صحة المعاطاة لعدم ذكر الصيغة. وقال الطيبي: فيه إيذان بأن للصور والأشياء الظاهرة تأثيرا في القلوب الطاهرة والنفوس الزكية، يعني فضلا عمن دونها. قوله: (وقال هشام بن عروة) أخرجه أحمد وابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود من طريقه، ولم أر في شيء من طرقهم هذا اللفظ. نعم اللفظ الذي ذكرناه عن الموطأ قريب من هذا اللفظ المعلق، ولفظه: " فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني " والجمع بين الروايتين بحمل قوله " ألهتني " على قوله " كادت " فيكون إطلاق الأولى للمبالغة في القرب لا لتحقق وقوع الإلهاء. (تنبيه) : قوله " فأخاف أن تفتنني " في روايتنا بكسر المثناة وتشديد النون. وفي رواية الباقين بإظهار النون الأولى وهو بفتح أوله من الثلاثي. *3* الشرح: قوله: (باب إن صلى في ثوب مصلب) بفتح اللام المشددة، أي فيه صلبان منسوجة أو منقوشة أو تصاوير، أي في ثوب ذي تصاوير، كأنه حذف المضاف لدلالة المعنى عليه. وقال الكرماني: هو عطف على ثوب لا على مصلب، والتقدير أو صلى في تصاوير. ووقع عند الإسماعيلي " أو بتصاوير " وهو يرجح الاحتمال الأول، وعند أبي نعيم " في ثوب مصلب أو مصور". قوله: (هل تفسد صلاته) جرى المصنف على قاعدته في ترك الجزم فيما فيه اختلاف، وهذا من المختلف فيه. وهذا مبني على أن النهي هل يقتضي الفساد أم لا؟ والجمهور إن كان لمعنى في نفسه اقتضاه، وإلا فـلا. قوله: (وما ينهى من ذلك) أي وما ينهى عنه من ذلك. وفي رواية غير أبي ذر " وما ينهى عن ذلك " وظاهر حديث الباب لا يوفى بجميع ما تضمنته الترجمة إلا بعد التأمل، لأن الستر وإن كان ذا تصاوير لكنه لم يلبسه ولم يكن مصلبا ولا نهي عن الصلاة فيه صريحا. والجواب أما أو لا فإن منع لبسه بطريق الأولى، وأما ثانيا فبإلحاق المصلب بالمصور لاشتراكهما في أن كلا منهما قد عبد من دون الله تعالى. وأما ثالثا فالأمر بالإزالة مستلزم للنهي عن الاستعمال. ثم ظهر لي أن المصنف أراد بقوله مصلب الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق هذا الحديث كعادته، وذلك فيما أخرجه في اللباس من طريق عمران عن عائشة قالت " لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك في بيته شيئا فيه تصليب إلا نقضه". وللإسماعيلي " سترا أو ثوبا". الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي الشرح: قوله: (عبد الوارث) هو ابن سعيد، والإسناد كله بصريون. قوله: (قرام) بكسر القاف وتخفيف الراء: ستر رقيق من صوف ذو ألوان. قوله: (أميطي) أي أزيلي وزنا ومعنى. قوله: (لا تزال تصاوير) كذا في روايتنا، وللباقين بإثبات الضمير، والهاء في روايتنا في " فإنه " ضمير الشأن، وعلى الأخرى يحتمل أن تعود على الثوب. قوله: (تعرض) بفتح أوله وكسر الراء أي تلوح، وللإسماعيلي " تعرض " بفتح العين وتشديد الراء، أصله تتعرض. ودل الحديث على أن الصلاة لا تفسد بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقطعها ولم يعدها، وسيأتي في كتاب اللباس بقية الكلام على طرق حديث عائشة في هذا، والتوفيق بين ما ظاهره الاختلاف منها إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
|